حُسْنُ الإنصات والاستماع

بينما أبو بكر الهُذَلي يُسامر أبا العباس السفاح، إذ تحدث الأخير بحديث من أحاديث الفرس، فعصفت الريح، فأذرَتْ طساً من سطح إلى مجلس أبي العباس، فارتاع الحاضرون، ولم يتحرك أبو بكر لذلك، ولم تزل عينه متطلعة لعين الخليفة العباسي.
فقال له أبو العباس: ما أعجب شأنك، يا هذلي! لم تَرعْ مما راعنا.
قال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، وإنما للمرء قلب واحد، فلمَّا غمره السرور بمحادثة أمير المؤمنين، لم يكن فيه لحادث مجال، وإن الله إذا انفرد بكرامة أحد، وأحب أن يبقى له ذكرها، جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته، وهذه كرامة خُصِصْتَ بها، مال إليها ذهني، وشغل بها فكري، فلو انقلبت الخضراء على الغبراء ما أحسست بها، ولا وجمت لها إلا بما يلزمني في نفسي لأمير المؤمنين.
المصدر:.
التاج في أخلاق الملوك (56).