حكمة فقير

استدعى أحدُ الخلفاء شعراءَ مصر، فصادفهم شاعر فقير بيده جرة فارغة ذاهب بها إلى البحر ليملأها ماءً، فتبعهم إلى أن وصلوا إلى دار الخلافة، فبالغ الخليفة في إكرامهم والإنعام عليهم، ورأى ذلك الرجل والجرة على كتفه، ونظر إلى ثيابه الرثة، وقال له: من أنت؟ وما حاجتك؟ فأنشد الرجل:
ولـمَّا رأيْتُ الرِّجالَ شدُّوا رِحالَهُم إلى بحرِكَ الطَّامي أتيْتُ بجرَّتي

فقال لهم الخليفة: املؤوا الجرة ذهباً وفضةً، فحسده بعض الحاضرين، وقالوا: هذا فقير مجنون لا يعرف قيمة المال، وربما أتلفه وضيعه. فقال الخليفة: هو ماله يفعل به ما شاء. فمُلِئَتْ له ذهباً، وخرج الفقير إلى الباب وفرَّق المال على جميع الفقراء، فبلغ ذلك الخليفة، فاستدعاه وعاتبه عن ذلك، فقال الفقير:
يجودُ علينا الخيِّرونَ بمالِهِم ونحنُ بمالِ الخيِّرينَ نجودُ
فأُعجِبَ الخليفة بجوابه، وأمر أن تُملأ جرته عشر مرات، وقال: الحسنة بعشرة أمثالها.
المصدر:
مجاني الأدب في حدائق العرب (2/146).