تيامات .. أم كل الآلهة في بلاد ما بين النهرين
ذكرت الآلهة في أسطورة الخلق البابلية، ففيها تم الحديث عن تيامات بصورة الأم المتعاطفة التي تحولت إلى عدو مخيف

تمهيد:-
تروي الحضارات القديمة -التي عاشت في بلاد ما بين النهرين- قصة عن آلهة فريدة هي ” تيامات “، الأم الأولى لكل الآلهة والتي كانت تُمثل تجسيد البابليين للبحر وتتخذ لنفسها شكل تنين.
في الواقع لم يتم إيجاد أي تمثال أو منحوتة تعبر عنها أو تذكر اسمها بشكل واضح وصريح، ولكنها وصفت بشكل تنين في ملحمة صراعها مع مردوخ الآلهة الراعي لبابل.
أبرز ذكر للآلهة تيامات الغامضة هو أسطورة الخلق البابلية، ففيها تم الحديث عن تيامات بصورة الأم المتعاطفة لتتحول مع مجريات الحكاية لتصبح هي الخصم والعدو المخيف.

ملحمة خلق آلهة ما بين النهرين:–
تبدأ ملحمة الخلق “إنوما إليش” بقصة خلق الآلهة، قصة ملحمية تنشأ عن اتحاد بين إبسو وتيامات:
“في ذاك الزمن عندما لم تملك السماء العالية اسماً
ولم يطُلق على الأرض في الأسفل اسماً
قام أبوس الأول، منجبهم جميعاً
وتيامات التي صنعتهم وحملت بهم جميعاً
خلطا ماءهما معاً
لتولد كل الآلهة داخلهم”
تبعاً لما كان شائعاً في الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين؛ فقد وجد أيمان راسخ بأن إبسو كان الآلهة المجسدة للماء العذب النقي الموجود في قلب الأرض وباطنها، بينما جسَّدت الآلهة تيامات ماء البحار المالحة. اختلاط المياه المقدسة هذه أنجبت أول إلهين وهما “لاهمو” و “لاهامو” واللذان أنجبا معاً الآلهتين آنشار وكيشار.

نشوء المشاكل العائلية بين الآلهة :–
مع قيام الآلهة بالتكاثر والوصول إلى الجيل الخامس المشاكس؛ بدأت الآلهة الجديدة بافتعال المشاكل وأصبحت تؤرق الآلهة الأم تيامات وإبسو اللذان مثلا الكون المجهول في نظر الحضارات القديمة.
“عندما كانت الآلهة من الجيل الجديد معاً
كانت تقوم بإزعاج الأم تيامات بعلو وصخب
كانوا يتصرفون بصخب في بطنها (كونها تمثل البحر)
كانوا يزعجونها وهم يلعبون في أندورونا (عالم تيامات)
ولم يكن بإمكان إبسو أن يخمد أصواتهم
وكان صوت تيامات لا يسمع بالمقارنة مع أصواتهم”
وعلى الرغم من كل هذه المشاكل والازعاج الذي قامت به الآلهة الصغيرة؛ إلا أن تيامات تحملتهم ولم تقم بأي شيء، ولكن هذا السلوك لم يكن يطيقه إبسو بل تولدت له رغبة جامحة في تدميرهم نتيجة لإزعاج محبوبته تيامات.
قام إبسو بإخبار محبوبته تيامات عن خطته، ولكنها لم تكن سعيدة بل على العكس:
كانت تستشيط غضباً وصرخت على محبوبها
صاحت عليه وهو بجوارها بشكل مخيف
وبعد ذلك أخمدت كل غضبها في بطنها (بحرها)
ومع أن تيامات لم تكن راضية عن هدف إبسو، إلا أنه بدأ باستشارة وزيره مومو، ليباشر معه التفكير في تنفيذ مؤامرة تدمير أبنائه.
الآلهة الأولى تخطط للانتقام:–
عرَّفت الآلهة الأبناء بخطة أبسو الهادفة إلى القضاء عليهم، فأقدم أحد الآلهة الذي يسمى “إيا” على إغراق أبسو في نوم عميق ومن ثم قام بقتله، في تلك الفترة تم ولادة الآلهة مردوخ الذي كان يتمتع بقدرة اللعب والتحكم بالرياح الأربعة.
كل هذه الأحداث أزعجت الآلهة الأصغر وقامت بالشكوى للأم تيامات، وهنا قررت الآلهة الأولى أن تنتقم لإبسو محبوبها.
قامت تيامات بخلق جيش ضخم من الوحوش، وجعلت الآلهة تشينغو قائداً لهم. وصلت أخبار تجهيزات تيامات إلى بقية الآلهة الذين قتلوا إبسو وعلموا بنيتها تدميرهم، ولكنهم لم يتمكنوا من القيام بأي شيء.

ولكن في النهاية؛ قام الآلهة الأصغر مردوخ بتقديم عرض بأن يخوض هو المعركة، ووضع شرطاً على الآلهة جميعها، أنه في حال انتصر على الآلهة الأم؛ فعلى الآلهة تنصيبه حاكماً عليهم، وافق الجميع، وبالفعل خاض مردوخ حرباً شرسة على تيامات فهاجمها بقدرة الرياح التي يمتلكها وعندما عجزت تيامات عن مواجهته؛ أطلق سهماً مباشراً إلى مركز قوتها المتجمع في بطنها وقسَّمها تماماً من منتصفها.
كيف أصبحت تيامات العالم بأكمله؟
بعدما انتصر مردوخ على الآلهة الأم؛ قام هذا الآلهة الملك باستعمال ما تبقى من جسدها الخارق وذلك لصنع العالم، تبعاً لما ذكر في أحد الألواح:
قام بتجزئة القسم المتوحش منها وخلق به الأعاجيب
فقطعها إلى قسمين كما يقسَّم السمك لتجفيفه
قسم منها رفع ليصنع منه السماء
رفع من الأرض أعمدة لتمسك السماء هذه وتسندها
قام بتحديد مياهها حتى لا يهرب جزء منها
وفتح من عينيها نهرا دجلة والفرات
من أضراعها قام برفع الجبال التي نراها
وجعل فيها فتحات ليصنع المياه العذبة الجوفية
تعرف على ملحمة جلجامش .. والبحث عن الخلود

المصدر:-
https://www.ancient-origins.net/myths-legends-asia/tiamat-mesopotamia-0010565