جامع الخلفاء .. أيقونة مدينة بغداد
بُني من جديد موافقاً للهندسة المعمارية للعصر العباسي من قبل محمد مكية

تمهيد:-
كان للخلافة العباسية حضوراً قوياً وسلطةً كبيرة تركت خلفها آثاراً كثيرة ما زالت حتى يومنا هذا، هذه الآثار القليلة التي توزعت بين البلاد الإسلامية وكان في بغداد نصيبٌ كبيرٌ منها، فحكت لنا تاريخاً لا يُنسى، بتصاميمها الفريدة ومواقعها الاستراتيجية والمختارة بعنايةٍ فائقة، فكان أغلبها يقع وسط المدينة أو يطل على البحر وتحيطها أهم المعالم الأثرية.
من بين هذه الآثار التي تميزت ببنائها وحازت على إطلالةٍ واسعة على مدينة بغداد بأكملها، هو جامع الخلفاء ، فمتى بُني هذا الجامع وبمَ تميز؟

تاريخ بناء جامع الخلفاء في بغداد:-
حصل اختلاف في تاريخ بناء جامع الخلفاء ، فهل يعود إلى عام 159هـ وبالتالي عصر الخليفة العباسي محمد المهدي؟ أم لعهد الخليفة علي المكتفي بالله بين (289-295هـ/ 902-908م)؟

وعلى كلٍ؛ فإن الجامع يعود لأكثر من عشرة قرون، وقد بُني ليكون المسجد الجامع لصلاة الجمعة شرق القصر الحسني، وكان يُسمى بجامع القصر، ليُعرف لاحقاً بجامع الخليفة، وسُمي أخيراً بجامع الخلفاء، وقد ذكره الرحالة ابن بطوطة عام 727هـ/1327م عندما زار مدينة بغداد، وكان لهذا الجامع أهمية كبيرة حيث عُدّ من الجوامع الكبيرة الثلاثة في بغداد مع جامع الرصافة والمنصور.
تعرض جامع الخلفاء للتدمير عند احتلال المغول لمدينة بغداد مما أدى لانهدام أركانه ومحو معالمه، ليقوم سليمان باشا الكبير عام (1193هـ – 1217هـ)، (1779م -1802م) بإعادة بنائه، وكان قد تبقى منه المئذنة العالية الشامخة التي ما زالت حتى يومنا هذا.

أنشأ سليمان باشا مدرسة علمية في جامع الخلفاء لتدريس العلوم العقلية والنقلية، وكانت تضم فريقاً من علماء بغداد وأعيانهم كالعلامة السيد يحيى الوتري والعلامة الشيخ عبد الله الموصلي لتدريس الطلاب، ولكنها هُدمت عندما تم فتح شارع الجمهورية الذي يمر بسوق الشورجة.
موقع جامع الخلفاء وتصميم البناء:-
يقع جامع الخلفاء في محلة سوق الغزل قريباً من خي الشورجة، وأهم ما يميزه هو منارته التي تُسمى بمنارة الغزل نسبةً لسوق الغزل سابقاً، وهي الأثر الوحيد المتبقي من دار الخلافة العباسية ومساجدها، حيث تعرضت للدمار مع المسجد عام 670هـ، 1271م، وأعيد بناؤهما من جديد في 678هـ، 1279م.
صُنعت المنارة من الآجر فقط، وهي أعلى منارة حيث تتمتع بإطلالة واسعة على بغداد من مئذنتها بارتفاع 35 متراً، تشبه مئذنة بسطام في إيران من ناحية التصميم وكذلك مئذنة الكفل، نقوشها ذات أشكال معينية بسيطة وتحيط بالسطح الدائري، ومع الظلال المتباينة في الخط الآجري يمكن رؤيتها بوضوح حيث تبرز بشكلٍ رائع، وفيها تتجلى هندسة العهد العباسي وعظمته.

جامع الخلفاء في عصرنا الحالي:-
تم بناء جامع الخلفاء من جديد موافقاً للهندسة المعمارية للعصر العباسي من قبل محمد مكية، مع
الإبقاء على المئذنة الأثرية، المسجد الآن بارتفاع 14 متر ويضم حرم المصلى الذي تعلوه قبة مزخرفة
بالخط العربي الكوفي بارتفاع السبعة أمتار، مطلية باللون الأصفر الحنطي الذي يتناسب مع لون المئذنة،
وهناك ثلاثة أروقة مؤدية إلى المصلى، وتم الانتهاء من بناء هذا الجامع عام 1964م وافتتح عام 1966م في
صلاة الجمعة.
كما تم وضع مكتبة ضخمة في الطابق الثاني من الجامع من قبل إمامه الذي عمل به لعدة عقود الشيخ
جلال الدين الحنفي، وتضم هذه المكتبة كتباً مهمة ومخطوطات في الشريعة والأدب والفقه والقانون،
وبُني سياجٌ بديع الجمال مزخرف بآيات القرآن حول الجامع، وقد صُنع من حديدٍ تظهر في علامات الفن
والإبداع، حيث عمل عليه شيخ الحدادين في بغداد عبد الأمير الحداد عام 1964م بطلبٍ من الشيخ جلال
الدين الحنفي، والمفاجئ بالأمر أن هذا الحداد كان أمياً فأظهر إبداعه بشكلٍ استثنائي عندما زخرفه بالخط
الديواني بشكلٍ رائع لا مثيل له من بين كل جوامع العالم الإسلامي.
بعد الحروب التي خاضها العراق، والغزو الأميركي للبلاد عام 2003م؛ تعرضت مئذنة جامع الخلفاء
للميلان بسبب عدم إجراء الصيانة اللازمة لها، ولذلك أجرى الوقف السني اتفاقية لصيانته مع منظمة
اليونيسكو والحفاظ على قيمته الأثرية المهمة.

المصادر:–
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A1
صفحة قصور عراقية على الفيس بوك.
صفحة خانه الخاتون على الفيس بوك.