الجامع الأموي .. أحد أشهر مساجد العالم الإسلامي
بناؤه جاذبُ الأنظار نحوه وآسر الأفئدة حتى يقع في جماله وروعة بنائه كل من يراه

توطئة:-
نالت المساجد التاريخية مكانةٍ كبيرة منذ أن شُيدت وحصلت على الكثير من الاهتمام خلال السنين والزمان، ولم تكن كمساجد عادية ومنها الجامع الأموي ،حيث حظي كل منها بأهميةٍ خاصة من تاريخ بناءٍ مميز من قبل رجلٍ ذو مكانةٍ مهمة.
ولكل مسجدٍ قصةٌ معينة قد يعود بعضها لتاريخٍ قديمٍ جداً، وسنتعرف اليوم على الجامع الأموي، أو كما يُسمى بمسجد بني أمية الكبير في دمشق، رابع أشهر مساجد العالم الإسلامي، فمتى بُني وما قصته؟! لنتعرف عليه أكثر…

تاريخ بناء الجامع الأموي في دمشق:-
تم تشييد الجامع الأموي من قبل الخليفة الوليد الأول سنة 705م، ولكن قبل الخوض في هذا التاريخ، سنعود بالزمن إلى الوراء ما قبل عشرة قرونٍ تقريباً، حيث كان في البداية معبداً آرامياً بين القرنين العاشر والحادي عشر قبل الميلاد.

وعندما قدم الرومان إلى دمشق في القرن الأول الميلادي؛ أقاموا فيه معبداً وثنياً، حتى تحول إلى كنيسة في القرن الرابع، وهذه الكنسية تحتوي على ضريح القديس يوحنا المعمدان (النبي يحيى عليه السلام).

وعندما دخل المسلمون دمشق؛ تم تقسيم موقع الكنيسة إلى قسمين، الشرقي أصبح للمسلمين والغربي بقي للمسيحيين، وقد استمر الحال كذلك لأكثر من قرن، حتى تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة بعد والده عبد الملك بن مروان، فقرر إعادة بناءه، ليكون مسجداً جامعاً وتحفةً معماريةً لا مثيل لها في الشرق وليخطب به الخليفة في عاصمة الدولة، وقد أفلح في ذلك.
فقد وافق المسيحيون على بيع النصف الذي كانوا يملكونه مقابل كنيسة حنانيا وحقوق أخرى، وبدأ بناء المسجد الأموي من جديد والذي استغرق مدة عشر سنوات حتى 715م، ليصبح تحفةً معماريةً في الجمال وقد ذُكر في مخطوطةٍ فارسية في القرن الثالث عشر بعنوان “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات”.

موقع الجامع الأموي وتصميم البناء:-
يقع مسجد بني أمية الكبير في قلب المدينة القديمة في العاصمةِ دمشق، يحده من الشرق مقهى النوفرة، ومن الغرب سوق الحميدية، ومن الجنوب سوق البزورية، ومن الزاوية الشمالية الغربية ضريح صلاح الدين الأيوبي والمدرسة العزيزية.

وأما تصميم المسجد؛ فلا يمكن الحديث عنه بسهولة، فهو جاذبُ الأنظار نحوه وآسر الأفئدة حتى يقع في جماله وروعة بنائه كل من يراه، فقد تم اعتماد التخطيط الأولي لبناء المساجد في الإسلام من قبل الوليد حيث قسمه إلى بيتٍ للصلاة وفناءٍ مفتوح، وحصلت باحات المعبد القديم على توسعةٍ مع تزيينها بالنقوش والرخام والزخارف والفسيفساء والمنمنمات، وقد تم إنشاء حرم المسجد مسقوفاً مع القبة والمعروفة بقبة النسر، وفي باحته الكبيرة تم إنشاء أربع قبابٍ وهي مبانٍ صغيرة، بُنيت في أوقاتٍ مختلفة:

القبة الشرقية (قبة زين العابدين): تُسمى الآن بقبة الساعات حيث كانت تضم ساعاتٍ للمسجد، وأما اسمها السابق فيعود لوقوعها في الناحية الشرقية والقريبة من مشهد السبطين الحسن والحسين، وقد تم بناؤها أيام المهدي سنة 160 هـجري.

قبة المال: قبةٌ مثمنة تزينها ثمانية أعمدة، وقد تم إنشاؤها من قبل الفضل بن صالح بن علي العباسي سنة 171هـ عندما كان أميراً على دمشق في عصر الخليفة العباسي المهدي.
قبة الوضوء وقبة النسر التي تعلو الحرم ويصل ارتفاعها إلى 36 متراً.
مسجد بني أمية الكبير يضم ثلاثة مآذن مطلة على صحنه، وهي:
المئذنة الشرقية (مئذنة عيسى): سُميت باسم النبي عيسى عليه السلام لأنه من المتوقع أن ينزل عليها في آخر الزمان وفقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تعرضت للحرق سنة 740 م، وتم إعادة تجديدها.
المئذنة الغربية (مئذنة قايتباي): سُميت باسم السلطان قاتيباي لأنها جُددت في عهده، وتقع في الزاوية الجنوبية الغربية.

المئذنة الشمالية (مئذنة العروس): تعتبر أقدم مئذنة في الإسلام وتقع في منتصف الجدار الشمالي للمسجد، وهي ذات قاعدةٍ أموية أصلية، وقد سُميت بمئذنة العروس لأنها كانت توقد ليلاً بعدة مصابيح توضع عليها فتلألأ في المناسبات بالأنوار والفوانيس وكأنها عروسٌ حقاً!
مسجد بني أمية الكبير والزخرفة الإسلامية:-
يتميز الجامع الأموي بزخرفته وزينته، ولا سيما الزخارف النباتية التي تدل على اليد الأموية التي شيدته، ويضم أنواعاً مختلفة من الزخارف كالخيط العربي والقيشاني، والعجمي، والمعشق، والمشقف، والتيجان الكورنثية.

فُرشت أرض المسجد بشكلٍ هندسي زخرفي من المرمر، وغُطيت الجدران بلوحاتٍ رخامية يصل ارتفاعها إلى مترين، وأما لوحات الفيسفساء المميزة فقد صُنعت من الذهب والفضة والعاج والصدف، ومن أهمها لوحة بردى التي تظهر نهر بردى، وأما جدار القبلة ففيه شريط كامل من الفيسفساء يصل من أوله إلى آخره ويسمى شريط الكرمة، وفي الحقيقة؛ فإن هناك تشابهاً بين هذه الزخارف وزخارف قبة الصخرة في بيت المقدس.
ترميم الجامع الأموي عبر السنين:-
حصل الجامع الأموي على الكثير من التغييرات بسبب ما أصابه من حرائق وزلازل خلال السنين، ولذلك فإن شكله الحالي يختلف عن ذلك الذي بُني عليه، ففي عام 1069م؛ تعرض لحريقٍ كبير جاء على الكثير من زخرفته ونقوشه الجميلة، ثم تم الانتهاء من ترميمه عام 1072م.

وبعد تعرضه لعديد من الحرائق والزلازل؛ قام الظاهر بيبرس بتنظيفه وغسل رخامه وفرشه، وكذلك أعاد تزيينه وزخرفته، ولكن في اجتياح دمشق عام 1400م من قبل تيمور لنك؛ احترق الجامع من جديد.
وحتى في العهد الحديث؛ تعرض سقفه لحريقٍ كبير عام 1893م، قضى على الكثير من زخرفته، وجرى للجامع الأموي عملية ترميمٍ شاملة في بداية التسعينيات من القرن الماضي انتهت سنة 1994م.

تميز الجامع الأموي حتى يومنا هذا وزاره الكثير من الرحالة ووصفوه بأنه من أفخم المساجد وأجملها عمارة، وقد قال عنه الرحالة ياقوت الحموي في معجم البلدان: “لو أن الإنسان عاش ألف سنة، وجعل يتردد كل يوم من أيامه إلى الجامع الأموي، لكان يرى في اليوم ما لا يراه في أمسه”
تعرف على جامع خالد بن الوليد في حمص .. مرقد سيف الله المسلول

المصادر:-
https://archeologie.culture.fr/proche-orient/ar/a-propos/ljm-mwy-fy-dmshq