أبو جعفر الترمذي .. الفقيه الزاهد الورع
لم يكن للفقهاء الشافعية في وقته أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تَقلُّلاً

أبو جعفر الترمذي – اسمه ونشأته:–
أبو جعفر الترمذي هو محمد بن أحمد بن نصر، الفقيه الشافعي، وُلِدَ في شهر ذي الحجة، سنة 201هـ، والتِّرمِذي نسبة إلى مدينة تِرْمِذ التي تقع على مجرى نهر جيحون على الجهة الشرقية لجمهورية أوزبكستان.

مكانته العلمية:–
يعتبر أبو جعفر الترمذي من فقهاء الشافعية، لم يكن للفقهاء الشافعية في وقته أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تَقلُّلاً.
كان يسكن بغداد، وحدَّث بها عن: يحيى بن بُكَيْر المصري، ويوسف بن عَدِيٍّ، وكَثِير بن يحيى، وغيرهم، وروى عنه: أحمد بن كامل القاضي، وعبد الباقي بن قانع، وغيرهما.
وكان ثقة من أهل العلم والفضل والزهد في الدنيا، وكان يقول: “كتبت الحديث تسعاً وعشرين سنة”.
قال أبو الطيب أحمد بن عثمان السمسار: حضرت عند أبي جعفر التِّرمذي فسأله سائل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا» فالنزول كيف يبقى فوقه علو؟ فقال أبو جعفر: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

صفاته:–
كان أبو جعفر الترمذي زاهداً، ناسكاً، قانعاً باليسير، متعففاً، عالماً فقيهاً، شديد الورع، صبوراً.
أبو جعفر الترمذي – فقره وتعففه:–
كان لا يسأل أحداً شيئاً، وكان من التقلُّل في المطعم على حالةٍ عظيمةٍ فقراً وورعاً وصبراً على الفقر، فقد رُوِيَ أنه أخبر محمد بن موسى بن حمَّاد أنه تقوَّت في سبعة عشر يوماً خمس حبات، أو قال ثلاث حبات، قال: كيف عملت؟ فقال: لم يكن عندي غيرها فاشتريت بها لِفْتاً، فكنت آكل كل يوم واحدة.
وذكر أبو إسحاق الزَّجَّاج النحوي أنه كان يجرى عليه في كل شهر أربعة دراهم، وكان لا يسأل أحداً شيئاً.

نوادره:–
كان أبو جعفر الترمذي يقول: تفقهت على مذهب أبي حنيفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة عام حججت، فقلت: يا رسول الله، قد تفقهت بقول أبي حنيفة، أفآخذ به؟ قال: لا، فقلت: آخذ بقول مالك بن أنس؟ فقال: خذ منه ما وافق سنتي.
قلت: فآخذ بقول الشافعي؟ فقال: ما هو بقوله، إلا أنه أخذ بسنتي ورد على من خالفها، قال: فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، وكتبت كتب الشافعي.
أقوال العلماء فيه:–
قال الدارقطني: “هو ثقة مأمون ناسك”، وقال أيضاً: “لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أروع منه، وكان صبوراً على الفقر”.
وقال الإسنوي: “كان أولاً أبو جعفر حنفياً، فحج، فرأى ما يقتضي انتقاله لمذهب الشافعي، فتفقه على الربيع وغيره من أصحاب الشافعي، وسكن بغداد، وكان ورعاً، زاهداً، مُتقلِّلاً جداً، كانت نفقته في الشهر أربعة دراهم”.
وقال أحمد بن كامل القاضي: “لم يكن للشافعية بالعراق أرأس، ولا أورع، ولا أنقل من أبي جعفر الترمذي”.
وفاته:–
توفي أبو جعفر الترمذي يوم 11 محرم، سنة 295هـ لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين، ولم يُغيِّر شَيْبَه، وكان قد اختلط في آخر عمره اختلاطاً عظيماً.

المصادر:–
- البداية والنهاية (14/748).
- سير أعلام النبلاء (13/545/رقم 276).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (3/403).
- العبر في خبر من غبر (1/429).
- وفيات الأعيان (4/195/رقم 572).
Image by imran boşver from Pixabay |